خاطرة تركت الخيار لك لتُفكر
عندما تجرحنا الحقيقة ونُصدّق أنفسنا أننا تقبّلنا ما هو واقع، ظنًّا منّا أن ما قمنا به هو عين الصواب. تتهافت علينا أكاذيب أفكارنا وتتغذّى أرواحنا بمعانٍ لا معنى لها سوى أنّها تعني أنّها لا تعني المعنى الذي كانت تعني له، وتسير سيول تلك الطُرقات التي وُضعت لها حفر انهارت بنا وجرفتنا أفكارنا إلى وادٍ سحيق لا نستطيع الخروج منه.
لم تكن تلك الأحداث سوى مجرّد بدايات لفكرة افتعلناها لنُنقذ أنفسنا من مأزق أفكارنا التي ظننّا أنّها هي ما كنّا نفكّر أنّها الفكرة الصائبة للهروب من المصيبة التي أصابتنا إصاباتها.
وها نحنُ انزلقنا إلى مأزقٍ لم نكن نحسب له حسابًا غير أنّنا أردنا لأنفسنا التخلّص والخلاص ممّا نحن فيه، ووصلنا إلى ما أغلقنا قلوبنا عليه، وما أبعدنا سمعنا عنه، وما أشحنا نظرنا عنه، ويا لهول ما حصدنا.
![]() |
أنفسنا |
خاطرة تركت الخيار لك لتُفكر - أنفسنا
وجدنا فساد أنفسنا أفسد علينا هدوءًا وسكينةً لم نجدها لنُريح بها أرواحنا التي راحت راحتها ضحيةً لتجاهلنا لما جهلنا عنه من تصرّفات أغدقت علينا صخبًا داخليًّا ولم نجد للطمأنينة بابًا لنطمئنّ به أنّ تلك الضجّة التي ضجّت بها حياتنا وأفقدتنا ما كنّا ننعم به من نِعَم، وحوّلت ما حولنا إلى شرارات شقّت أيّامنا وزادتها مشقّة وأضافت شقوقًا لتشقّ طريقها إلى سويعات تمنّينا فيها أن نعود إلى ركن الراحة التي لم تجد لها مساحة، وباعدت بيننا وبينها المسافة، وفُقدت منّا الصراحة مع أنفسنا.
لم تكن تلك تنهيدات أو تنفيسات عمّا حوته النفس من أنفاس حاولت تنفّس الصعداء لتُزيل عن كاهلها ما حمّلته رغمًا عنها، بل هي أوجاع ندمٍ لا يُفيد، لأنّنا لن نستفيد من لومٍ ليس له تبرير سوى أنّنا أصحاب حقّ لا حقّ لهم فيما اقترفوه في أنفسهم وحياتهم وأفكارهم، وقبلها مشاعرهم وقلوبهم.
خاطرة تركت الخيار لك لتُفكر - بفضل الله
فهل تذكّرنا هبة الله لنا أن منحنا عقولًا للتدبّر والتفكّر؟ الكثير منّا يخلد إلى النوم بعد انتهاء اليوم وهو لا يعلم ما حوته تلك الساعات التي قضاها بالمسرّات والخيرات، كيف كانت هكذا جميلة بدأها باسم الله على ما أعطاها وختمها بالحمد لله على ما أبعده عنه ونجّاه.
عظمة الخالق تتجلّى في أن جعل لنا هذه النِعَم التي أغدقها علينا ونحن لم ننتبه لها لأنّنا تعوّدنا عليها وأصبحت من البديهيّات في حياتنا. وسُخّرت لنا ما بين السماوات والأرض من خيراتها. فمتى نعود إلى صوابنا ونُزيل غبار بُعدنا عمّا حواه ملكوته سبحانه؟
اقرأ ايضا خاطرة ما أسرني خواطر تأملية
متى نستفيق من غفلة الالتفاف حول السباق المحموم على ملذّات الدنيا ومباهجها وننسى الخاتمة ومفاخرها؟ كما لم يكن وجودنا في هذه الحياة عبثًا فإنّ بقاؤنا فيها لن يكون ترفًا، فليعمل العاملون ليوم العُروض يوم تُفتح الصحف
وتُنشَر، ويُنادي المنادي يوم المحشر، ونتلهّف بشوق: هل سنكون من أهل المعشر، الذين أعدّوا عدّتهم لهذا اليوم الفاصل بين أصحاب اليقين بيوم الدين والآخرين الذين كانوا مكذّبين؟ خطواتنا البسيطة كلّ يوم، أعمالنا الدقيقة، أسرارنا العميقة، أحاديثنا المسبوقة التي لم نُلقِ لكلماتها أيّ بالٍ أصبحت في هذه اللحظة علينا وبالًا. فهل سنستعدّ لهذه اللحظات التي يُقال عنها أنّها فصل الخطاب؟
هل سنُقدّم لها القبول ويكون عملنا مقبولًا ولا ندّعي بالويل والثبور؟ هل سنتنافس لنكون ممّن قيل فيهم: ادخلوها خالدين، في جنّات النعيم، لا تأخذنا الدنيا بين الحين والحين، ويكون عملنا ما يُدخلنا نار الجحيم؟
ندعو الله أن يتقبّل أعمالنا التي قدّمناها ونكون من عباد الله الصالحين.
بقلم الأنامل اليمنية:
"أروى العريقي"